سيرة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) - الجزء الثالث
:: الجزء الثالث ::
وصية النبي لأمته:
اتفق المسلمون جميعا على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج إلى المسجد في حالة شديدة من المرض والضعف حتى انه لا يكاد يستقل ولا ينقل قدميه بل اعتمد على رجلين ورجلاه تخطان الأرض وصلى جالسا.
قال المفيد: فلما سلم انصرف إلى منزله ،استدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر بالمسجد من المسلمين ثم قال: ألم آمركم أن تنفذوا جيش أسامة؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: فلم تأخرتم عن أمري؟ قال أبو بكر: إني خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا، وقال عمر: يا رسول الله إني لم اخرج لأني لم احب أن اسأل عنك الركب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): انفذا جيش أسامه! يكررها ثلاث مرات، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف، فمكث هنيهة مغميا عليه وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضر من المسلمين، فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنظر إليهم ثم قال: ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، ثم أغمي عليه فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا، فقال له عمر: ارجع فانه يهجر، فرجع.
وندم من حضر على ما كان منهم من التضييع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون لقد أشفقنا من خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أفاق قال بعضهم: إلا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله؟ فقال: ابعد الذي قلتم؟، لا ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا واعرض بوجهه عن القوم فنهضوا.
وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم):
وكانت وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين على المشهور بين العلماء عند الزوال لليلتين بقيتا من صفر عند اكثر الإمامية، وكان عمره ثلاث وستون سنة، قال علي (عليه السلام): أوصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يغسله أحد غيري، فكان الفضل وأسامة، يناولانني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه.
وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المومنين (عليه السلام) وقال لهم: أن رسول الله إمامنا حيا وميتا فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون، وان الله لم يقبض نبيا في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها، فسلم القوم لذلك ورضوا به.
و لما صلى المسلمون عليه انفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح، وكان ذلك عادة أهل مكة وانفذ إلى زيد بن سهيل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك، فوجد أبو طلحة زيد بن سهل فقيل له: احفر لرسول الله، فحفر له لحدا ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي أنا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذهب، ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: ليدخل اوس بن خولي، وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (عليه السلام): انزل القبر فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له: اخرج فخرج ونزل علي (عليه السلام) القبر فكشف عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب وربع قبره وجعل عليه لبنا ورفعه من الأرض قدر شبر.
و روي قدر شبر وأربع أصابع وظاهر المفيد أن دفنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في اليوم الذي توفي فيه ولم يحضر دفنه (صلى الله عليه وآله وسلم) اكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك.
بعض كتبه
- كتابه إلى النجاشي (ملك الحبشة):
كان أول رسول بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن وكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، سلام عليك فإني احمد إليك الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن واشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى، حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وان تتبعني وتوقن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى.
- كتابه إلى هرقل (ملك الروم):
أرسله مع دحية بن خليفة الكلبي سنة سبع من الهجرة وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى الحارث ملك غسان، ليدفعه إلى قيصر. قال صاحب السيرة الحلبية: فأرسل الحارث معه عدي بن حاتم ليوصله إلى قيصر. وقال ابن اسعد: فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر وهو يومئذ بحمص ماش في نذر عليه أن ظهرت الروم على فارس أن يمشي من القسطنطينية إلى ايليا (القدس) فلما اخذ قيصر الكتاب وجد عليه عنوان كتب العرب فدعا المترجم فقرأه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فان توليت فإنما عليك إثم الاكاريين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة، سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.
قال قيصر: انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه، وكان أبو سفيان بغزة مع رجال من قريش في تجارة زمن هدنة الحديبية قال فاتانا رسول قيصر فانطلق بنا إليه وهو في بيت المقدس وعليه التاج وعظماء الروم حوله فقال لترجمانه سلهم أيهم اقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم انه نبي فقال أبو سفيان: أنا، فقال ما قرابتك منه؟ قال: ابن عمي، قال: ادن مني، ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري وقال لهم: إنما جعلتكم خلف ظهره لتردوا عليه إذا كذب، قال أبو سفيان: فوالله لو لا الحياء أن يردوا علي لكذبت، فصدقت وأنا كاره لبغضي إياه ومحبتي نقصه ثم قال لترجمانه: قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم؟، قلت: هو منا ذو نسب، قال: هل قال هذا القول أحد منكم قبله؟، قلت: لا، قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب؟، قلت: لا، قال: هل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا، قال: كيف عقله ورأيه؟ قلت: لم نعب عليه عقلا ولا رأيا قط، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: فهل يزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطا لدينه؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر إذا عاهد؟ قلت: لا، ونحن الآن منه في ذمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف حربكم وحربه؟ قلت: دول وسجال، قال: فما يأمركم به؟ قلت: امرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ويأمرنا بالصلاة والزكاة ويأمرنا بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة، فقال لترجمانه: قل له إني سألتك عن نسبه فزعمت انه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل هذا القول قاله أحد منكم قبله فزعمت أن لا فلو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت هو يأتم بقول قيل قبله وسالتك هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت انه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل لان الغالب أن أتباع الرسل هم أهل الاستكانة وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت انهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطه لدينه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا حصل به انشراح الصدور وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك هل قاتلتموه فقلت نعم وان حربكم وحربه دول وسجال وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة وسألتك ماذا يأمركم به فزعمت انه يأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة فعلمت أنه نبي.
- كتابه إلى كسرى (ملك الفرس):
أرسله مختوما مع عبد الله بن حذافة السهمي وقيل مع غيره، فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله.أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فان أبيت فعليك إثم المجوس الذين هم أتباعك.
قال عبد الله: فأتيت إلى بابه وطلبت الأذن عليه حتى وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرىء عليه فأخذه ومزقه.
- كتابه إلى المقوقس (ملك القبط):
واسمه جريح بن مينا أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة اللخمي عندما انصرف من الحديبية وفيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فإنما عليك إثم القبط، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمه سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.
وختم الكتاب وجاء به حاطب حتى دخل على المقوقس بالاسكندريه فلما قرأه قال ما منعه أن كان نبيا أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليهم فقال له حاطب ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله؟ فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم؟ قال: أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم، واكرم حاطباً وأهدى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاريتين مارية أم إبراهيم وسيرين وبغلة بيضاء وهي دلدل ولم يكن في العرب يومئذ غيرها، وكتب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد علمت أن نبياً قد بقي وكنت أظن انه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم أهديت لك كسوة وبغلة تركبها ولم يزد على هذا ولم يسلم، ووضع كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حُق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له.
:: الجزء الثالث ::
وصية النبي لأمته:
اتفق المسلمون جميعا على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج إلى المسجد في حالة شديدة من المرض والضعف حتى انه لا يكاد يستقل ولا ينقل قدميه بل اعتمد على رجلين ورجلاه تخطان الأرض وصلى جالسا.
قال المفيد: فلما سلم انصرف إلى منزله ،استدعى أبا بكر وعمر وجماعة من حضر بالمسجد من المسلمين ثم قال: ألم آمركم أن تنفذوا جيش أسامة؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: فلم تأخرتم عن أمري؟ قال أبو بكر: إني خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا، وقال عمر: يا رسول الله إني لم اخرج لأني لم احب أن اسأل عنك الركب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): انفذا جيش أسامه! يكررها ثلاث مرات، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف، فمكث هنيهة مغميا عليه وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضر من المسلمين، فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنظر إليهم ثم قال: ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، ثم أغمي عليه فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا، فقال له عمر: ارجع فانه يهجر، فرجع.
وندم من حضر على ما كان منهم من التضييع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون لقد أشفقنا من خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أفاق قال بعضهم: إلا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله؟ فقال: ابعد الذي قلتم؟، لا ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا واعرض بوجهه عن القوم فنهضوا.
وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم):
وكانت وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين على المشهور بين العلماء عند الزوال لليلتين بقيتا من صفر عند اكثر الإمامية، وكان عمره ثلاث وستون سنة، قال علي (عليه السلام): أوصى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يغسله أحد غيري، فكان الفضل وأسامة، يناولانني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه.
وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المومنين (عليه السلام) وقال لهم: أن رسول الله إمامنا حيا وميتا فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون، وان الله لم يقبض نبيا في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها، فسلم القوم لذلك ورضوا به.
و لما صلى المسلمون عليه انفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح، وكان ذلك عادة أهل مكة وانفذ إلى زيد بن سهيل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك، فوجد أبو طلحة زيد بن سهل فقيل له: احفر لرسول الله، فحفر له لحدا ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي أنا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذهب، ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: ليدخل اوس بن خولي، وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (عليه السلام): انزل القبر فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له: اخرج فخرج ونزل علي (عليه السلام) القبر فكشف عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب وربع قبره وجعل عليه لبنا ورفعه من الأرض قدر شبر.
و روي قدر شبر وأربع أصابع وظاهر المفيد أن دفنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في اليوم الذي توفي فيه ولم يحضر دفنه (صلى الله عليه وآله وسلم) اكثر الناس لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك.
بعض كتبه
- كتابه إلى النجاشي (ملك الحبشة):
كان أول رسول بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن وكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، سلام عليك فإني احمد إليك الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن واشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى، حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وان تتبعني وتوقن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى.
- كتابه إلى هرقل (ملك الروم):
أرسله مع دحية بن خليفة الكلبي سنة سبع من الهجرة وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى الحارث ملك غسان، ليدفعه إلى قيصر. قال صاحب السيرة الحلبية: فأرسل الحارث معه عدي بن حاتم ليوصله إلى قيصر. وقال ابن اسعد: فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر وهو يومئذ بحمص ماش في نذر عليه أن ظهرت الروم على فارس أن يمشي من القسطنطينية إلى ايليا (القدس) فلما اخذ قيصر الكتاب وجد عليه عنوان كتب العرب فدعا المترجم فقرأه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فان توليت فإنما عليك إثم الاكاريين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة، سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.
قال قيصر: انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه، وكان أبو سفيان بغزة مع رجال من قريش في تجارة زمن هدنة الحديبية قال فاتانا رسول قيصر فانطلق بنا إليه وهو في بيت المقدس وعليه التاج وعظماء الروم حوله فقال لترجمانه سلهم أيهم اقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم انه نبي فقال أبو سفيان: أنا، فقال ما قرابتك منه؟ قال: ابن عمي، قال: ادن مني، ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري وقال لهم: إنما جعلتكم خلف ظهره لتردوا عليه إذا كذب، قال أبو سفيان: فوالله لو لا الحياء أن يردوا علي لكذبت، فصدقت وأنا كاره لبغضي إياه ومحبتي نقصه ثم قال لترجمانه: قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم؟، قلت: هو منا ذو نسب، قال: هل قال هذا القول أحد منكم قبله؟، قلت: لا، قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب؟، قلت: لا، قال: هل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا، قال: كيف عقله ورأيه؟ قلت: لم نعب عليه عقلا ولا رأيا قط، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: فهل يزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطا لدينه؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر إذا عاهد؟ قلت: لا، ونحن الآن منه في ذمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف حربكم وحربه؟ قلت: دول وسجال، قال: فما يأمركم به؟ قلت: امرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ويأمرنا بالصلاة والزكاة ويأمرنا بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة، فقال لترجمانه: قل له إني سألتك عن نسبه فزعمت انه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل هذا القول قاله أحد منكم قبله فزعمت أن لا فلو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت هو يأتم بقول قيل قبله وسالتك هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت انه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل لان الغالب أن أتباع الرسل هم أهل الاستكانة وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت انهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطه لدينه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا حصل به انشراح الصدور وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك هل قاتلتموه فقلت نعم وان حربكم وحربه دول وسجال وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة وسألتك ماذا يأمركم به فزعمت انه يأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة فعلمت أنه نبي.
- كتابه إلى كسرى (ملك الفرس):
أرسله مختوما مع عبد الله بن حذافة السهمي وقيل مع غيره، فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله.أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فان أبيت فعليك إثم المجوس الذين هم أتباعك.
قال عبد الله: فأتيت إلى بابه وطلبت الأذن عليه حتى وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرىء عليه فأخذه ومزقه.
- كتابه إلى المقوقس (ملك القبط):
واسمه جريح بن مينا أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة اللخمي عندما انصرف من الحديبية وفيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فإنما عليك إثم القبط، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمه سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.
وختم الكتاب وجاء به حاطب حتى دخل على المقوقس بالاسكندريه فلما قرأه قال ما منعه أن كان نبيا أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليهم فقال له حاطب ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله؟ فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم؟ قال: أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم، واكرم حاطباً وأهدى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاريتين مارية أم إبراهيم وسيرين وبغلة بيضاء وهي دلدل ولم يكن في العرب يومئذ غيرها، وكتب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد علمت أن نبياً قد بقي وكنت أظن انه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم أهديت لك كسوة وبغلة تركبها ولم يزد على هذا ولم يسلم، ووضع كتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حُق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له.